مع غيرهم. وبلغت مواده خمسين بندا تناولت أهم أمور الدولة ، والحقوق ، والواجبات ، وفي السلم والحرب.
أ ـ فبالنسبة لعلاقة الرعية بالله تعالى ـ فقد جعل منطلقها المسجد حيث بناه الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» في مكان بركت فيه ناقته يملكه غلامان في كفالة أسعد بن زرارة في المدينة المنورة. وجعل الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من المسجد منطلق عمل الرعية بدستور الإسلام ، تنظم أوّل ما تنظم بنوده علاقة الإخلاص مع الله تعالى. وكان فيما يقوله لهم ما روى البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال : «كانت أوّل خطبة خطبها الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» بالمدينة أن قام فيهم ، فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : «أمّا بعد : أيها النّاس ، فقدّموا لأنفسكم ، تعلمنّ والله ، ليصعقنّ أحدكم ، ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ـ ليس له ترجمان ، ولا حاجب يحجبه دونه ـ : ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا ، وأفضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فينظر يمينا ، وشمالا ، فلا يرى شيئا ، ثم ينظر قدامه ، فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقي نفسه من النار ، ولو بشق تمرة ، فليفعل. ومن لم يجد ، فبكلمة طيّبة ؛ فإن بها تجزى الحسنة عشرا أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام عليكم ، وعلى رسول الله ...» (١).
ب ـ وبالنسبة لعلاقة الرعية فيما بينهم : فقد وثق رباط المؤاخاة فيما بينهم فكانوا عباد الله إخوانا. تفننوا في تطويع هذه العلاقة لبنود الدستور ، وما تقتضيه من ظواهر الإخلاص ، والحب ، والأثرة ، والتعاون ، والمعاونة ، والإحسان. حتى جعل الأنصاري منهم يتنازل عن أهم ما يملك من مال أو زوجات لأخيه المسلم المهاجر. وقد جعلت عقود الإخاء مقدمة على حقوق القرابة في توارث التركات إلى موقعة «بدر» حتى نزل قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة الأنفال آية ٧٥. فألغى التوارث بعقد الأخوة ،
__________________
(١) محمد الغزالي ـ فقه السيرة ـ ص ١٩١.