ورجع إلى ذوي الرحم. وقد آخى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من بينهم : حمزة مع زيد ؛ وأبو بكر مع خارجة. وعمر مع عتبان بن مالك ؛ وعبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع. وتذكر كتب السيرة أن سعد بن الربيع الأنصاري قال لأخيه عبد الرحمن بن عوف المهاجر : «إني أكثر الأنصار مالا ، فأقسم مالي نصفين ، ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك! فسمها لي ، أطلقها فإذا انقضت عدتها ، فتزوجها. قال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله في أهلك ومالك ، أين سوقكم؟» (١). واستنادا إلى هذا الدستور يتحرك الفرد بروح الجماعة ، ومصلحتها ، وآمالها ؛ كيانه من كيانها ، ومصلحته من مصلحتها ، وسعادته من سعادتها.
ج ـ وبالنسبة لعلاقة الرعية المؤمنة مع غيرها كفلها الدستور ضمن مظاهر الوفاء ، والند للند. وكفل الدستور حرية الاعتقاد ، والدين للجميع تطبيقا ، وعملا بالحكم الرباني في القول الرباني : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) سورة البقرة آية ٢٥٦.
وقد نظم الدستور علاقة من بقي على دينه مع الدولة الإسلامية ، وأدخلهم كجزء من رعيته السياسية ، وأبقى لهم حرية الاعتقاد الديني. ثم نظم حقوق ، وواجبات الرعية من مؤمنين ، وغير مؤمنين. وكذلك علاقات الدولة الإسلامية مع غيرها من الجماعات والدول زمن السلم ، وزمن الحرب. وقد أطلق المؤرخون على هذا الدستور اسم الصحيفة مرة ، والكتاب مرة أخرى. وسمي أهلها أهل الصحيفة مرة ، وأهل الكتاب مرة أخرى.
وقد جعل القرآن حكم الجميع فيما اختلفوا فيه ؛ فهم رعية دولته الإسلامية. فنصت الصحيفة على مادة تقول : «وأنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ، أو اشتجار يخاف فساده ، فإنّ مرده إلى الله ، وإلى محمد رسول الله» (٢).
__________________
(١) محمد الغزالي ـ فقه السيرة ـ ص ١٩٢.
(٢) انظر هذه الصحيفة في أمهات كتب السيرة. مثل : النويري : نهاية الأرب. ج ـ