ومستشيرا. فهو في البلاغ الديني بشر يوحى إليه. وهو في سياسة الدولة بشر يجتهد ، ويستشير.
ومن هنا يأتي المعلم الثاني من معالم دولة الإسلام أنّها دولة مدنية ، ترعى الشئون الدينية ، والسياسية. وهي دولة دين ، وحياة ، ودين ودنيا ، لا دولة كهنوت ، ودين وأتوقراطية. فالرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أرسى دعائم أول دولة في الإسلام ، أساسها العقد ، ودستورها القرآن ، ومعالمها الشرعية ، سار على نهجها أمراء المؤمنين ، وفقهاء الإسلام. أقاموا إسلامها ، وطبقوا أحكامه ، ونفذوا حدوده ، وما قتال أبي بكر للمرتدين مانعي الزكاة ـ جماعة مالك بن نويرة ـ وهم موحدون ، يصلون ويصومون ؛ إلا تأكيدا لوجود هذه الدولة ، وتحقيقا لمقوماتها ، وتأصيلا لعلاقتها بالدين. فكان وجود الدولة ضرورة مدنية ، وواجبا سياسيا لتنظيم جباية الزكاة ، وتنظيم شئون الأفراد ، وتحقيق الحكم الإسلامي بأداء الواجبات الدينية لا فرق بين صلاة ، وزكاة ، أو صوم ، وحج. وهذا المعنى الحقيقي لعبارته المشهورة لأصحابه : «والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة ، والزكاة ؛ فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدّونها لرسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، لقاتلتهم على منعها». فقد ربط بين الدين ، والدولة.
فالسنة النبوية أقامت الدولة ، وجعلت دستورها القرآن ، وربطت بين القرآن ، والدولة. والآثار الصحابية ثبتت دعائم الدولة ، وربطت بين الدين ، والدولة وآراء أهل الحل ، والعقد حققت استمرارية الدولة ، وربطت بين الدين ، والسياسة. وفتاوى فقهاء المسلمين ركزت على ثبات ، وضرورة الدولة ، وربطت بين وجودها ، وبين الدين. وسياسات حكام المسلمين أثبتت شرعية الدولة المدنية لإقامة الواجبات الدينية. وكل ذلك أثبت نقلا ، وعملا ، وتاريخا ، أن الإسلام دين ، ودولة ، ولا فصل بين القرآن والدولة ، أو الدين والدولة. وأن لا مكان لقول العلمانيين : بالفصل بين القرآن ، والدولة ؛ أو بين الدين ، والدولة ، وقد ثبت بطلان زعمهم : بأنّ الإسلام رسالة روحية تعبدية فقط ، وأن القرآن كتاب روحي فقط.