فإن صح أن فصلت اليهودية ، والمسيحية ـ وهما غير سماويتين أصلا ـ عن السياسة ، وحصرتا في الكنائس ، والأديرة ، وحصرت ممارسة شعائرها في فئة البابوات ، والقساوسة ، والرهبان ، والأحبار ، فهذا لا يصح مطلقا بالنسبة للإسلام ؛ وهو سماوي إلهي في أصله. فهو ديانة الجميع ، يمارس شعائرها الجميع ، ويعملون بأحكامها في جميع لحظات حياتهم ، وبالنسبة لجميع علائقهم السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والمالية. فلا فصل عندنا بين الدين ، والسياسة ، أو بين الدين ، والدولة. وشواهدنا على وحدة الدين ، وبالنسبة لجميع الأنبياء ، والرسل قطعية في ثبوتها ، ونصوصها ، فقد قال تعالى مؤصلا وحدة دينه ، ومنذ خلق آدم ، وقبله ، وبعده ، وفي سورة آل عمران : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) آية ١٩.
وقال أيضا في السورة نفسها نافيا عن عباده القبول بدين غير دين الإسلام ، وإلّا كانوا خاسرين : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) سورة آل عمران آية ٨٥.
ولنا القول : بأن وحدة الدين الإلهي السماوي لا تنفي تعدد الشرائع الإلهية السماوية. فالله تعالى يقول : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) سورة المائدة آية ٤٨. ولكنه لا يقول : لكل جعلنا منكم دينا ، أو عقيدة. لذلك يصح القول : بأن هناك شريعة يهودية سماوية ، وإلهية في أصلها ثم حرّفت. ولذلك هناك شريعة مسيحية سماوية ، وإلهية ثمّ حرّفت. فالدين لجميع الأمم ، ويتمثل في افعل ، ولا تفعل ، واعتقد بإله خالق واحد ، فهو إذن واحد غير متعدد. وأمّا الشريعة فتتمثل في كيف تفعل ، وكيف لا تفعل ، وكيف تعتقد بالله ، وكيف تؤمن بالله ، وكيف تعبد الله. فهي إذن متعددة ، وغير واحدة. ولكل أمة شريعتها ، ومنهاجها في العبادة. وبما أن كلتا الشريعتين اليهودية والمسيحية حرفتا أيضا كالدين ، فقد أصبحتا وضعيتين غير سماويتين ، وبذلك لا يقارن دين الإسلام ، وشريعة الإسلام بهما. فإن جاز فصلهما ، أي الدين والشريعة اليهودية ، والمسيحية عن الدولة ، فلا غرو ، ولا عجب ؛ فهما بشريتان ،