الدائم بعهد الخلفاء الراشدين ، وبعمر بن الخطاب بوجه خاص ، هو في حدّ ذاته دليل على أنّهم لم يجدوا ما يستشهدون به طوال التاريخ التالي الذي ظل الحكم فيه يمارس باسم الشريعة. أي أن التطبيق الذي دام ما يقرب من ثلاثة عشر قرنا كان في واقع الأمر نكرانا لأصول الشريعة وخروجا عنها. إنّ أنصار تطبيق الشريعة يركزون جهدهم كما قلنا على الاستشهاد بأحداث ، ووقائع تنتمي إلى عصر الخلفاء الراشدين ، ولا سيما عمر بن الخطاب. ولكن ألا يعلم هؤلاء الدعاة الأفاضل أنّ عمر بن الخطاب شخصية فذة فريدة ظهرت مرة واحدة ، ولن تتكرر!! وإذا كانت تجارب القرون العديدة ، وكذلك تجارب العصر الحاضر ، قد أخفقت كلها في الإتيان بحاكم يداني عمر بن الخطاب ، فلم يداعبون أتباعهم بالأمل المستحيل في عودة عصر عمر بن الخطاب؟!!وإذا كان الخط البياني للحق ، والعدل ، والخير ، قد ازداد هبوطا على مرّ التاريخ ، وبلغ الحضيض في التجارب المعاصرة لتطبيق الشريعة ، فعلى أي أساس يأمل هؤلاء في أن تكون التجربة المقبلة التي يدعون إليها في مصر هي وحدها التجربة التي ستنجح ، فيما أخفقت فيه الأنظمة الإسلامية على مر القرون؟!!».
ويعقب دكتور فؤاد زكريا في مقدمة كتابه «الحقيقة والوهم» على تباشير الصحوة الإسلامية ، واتّساع نطاق المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية هذه الأيام مقللا من شأنها حيث يقول : «إنّ الدعوة إلى تطبيق الشريعة ـ التي تعلو أصواتها في الآونة الراهنة ـ ترتكز بلا شك على قاعدة جماهيرية واسعة. وكثير من أنصارها يتخذون من سعة الانتشار هذه حجة لصالحها ؛ ويستدلون على صحة اتجاههم من كثرة عدد أشياعهم ، وأنصارهم». ويعقّب أيضا في ختام كتابه المذكور بالتهوين والتقليل من شأن المناداة بتطبيق الشريعة حيث يقول : «ولم تكن صيحة المطالبة بتطبيق الشريعة إلّا صيحة خافتة ، لا تأثير لها على المجرى العام لحياة النّاس. هذه هي صورة الدين كما عرفه شعبنا طوال أجيال عديدة.