العلمانيين يتناقضون مع أنفسهم ، ويقعون في أشر تناقضاتهم. فهم بنكرانهم لصلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق هذه الأيام ، والعودة إلى الحل الإسلامي ، يعترفون في قرارة أنفسهم بصلاحية القرآن للحكم الإسلامي. ودليل ذلك أنّهم يستشهدون على تلك الصلاحية بالحكم على عهد النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وعهد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه». فهم ينكرون على الشريعة الإسلامية صلاحيتها في التطبيق ، وهم في الوقت نفسه يعترفون بهذه الصلاحية ، وإن حصروها في فترة من الفترات. واعترافهم هذا حجة عليهم ؛ لأنّ ما صلح تطبيقه ، ولو في فترة من فترات الزمن ، يصلح لكل الفترات الأخرى إذا ما أحسن تطبيقه ، وأخلص في استخدامه. وبالعقلانية السليمة تمكن المحاجة : إنّ الصالح يبقى صالحا إلّا إذا انتقضت صلاحيته بفقدان بعض شروطها ، وعلى رأسها حسن التطبيق. وبالمنطق الصحيح أيضا تمكن المحاجة : أنّ الإساءة في تطبيق الشريعة الإسلامية أحيانا لا يجب ، بل ، ولا يجوز أن ينفي عنها صلاحيتها في الأحيان الأخرى. فالصالح دوما صالح إلّا إذا أسيء استخدامه. وبذلك فإن فؤاد زكريا يقع في شر تناقضاته عند ما يستدل بإساءة التطبيق على عدم إمكانية التطبيق. وهو عند ما يذكر أن إساءة تطبيق الشريعة ـ والذي دام طيلة ثلاثة عشر قرنا ـ يعتبر نكرانا لأصول الشريعة ، وخروجا عنها ، فإنّ قوله هذا يوحي باعترافه بأنّ حسن تطبيق الشريعة لا يعتبر نكرانا لها ، أو خروجا عنها ، وهو بالتالي يقر بأصالتها ، ونجاعتها إذا لم يسأ استخدامها وحسن تطبيقها. وإذا سلّمنا جدلا أن واقع المسلمين لم يعرف تطبيقا مثاليا للإسلام طيلة ثلاثة عشر قرنا كما يقول العلمانيون ـ وهذا لم يحصل البتة ـ واعتبروا ذلك نكرانا لأصول الشريعة ، وخروجا عنها ، فلنا أن نتساءل : متى كان الواقع حكما على الإسلام؟!! ومتى كان الإسلام يقاس على الواقع؟! ومتى كانت شواهد الحكمة تقتضي منا ، أو من البشرية جمعاء ، أن نستند في حكمنا على شريعة الله تبعا للواقع البشري حتى ولو كان مثاليا؟!! أليس في هذا نكران لأصول الشريعة الغراء ، وخروج عن أصالتها ، ومثاليتها؟!! ومن البداهة بمكان ـ وهذا يعرفه العلمانيون ـ وهم