تفنيد هذه الشبهة :
أولا : إن توافر أسباب ودواعي نقل القرآن متواترا لم يأت من ناحية أصالة الأحكام فقط ، وإنما جاء منها ، ومن نواحي الإعجاز ، والتحدي ، والتعبد بتلاوته ، وقراءته في الصلاة ، والرقية به ، والتبرك به ، وهذا كله لا يجتمع في السنة النبوية كلها ، وإنّما في بعضها ، فجاء بعضها متواترا ، وبعضها غير متواتر.
ثانيا : إن المراد بأصالة الأحكام الفرد الكامل الذي لا يوجد إلا في القرآن ؛ وذلك لأن أصالة الأحكام ، وكما يقول شيخنا الزرقاني «في القرآن ترجع الأصالة إلى اللفظ والمعنى جميعا. أما المعنى فواضح. وأما اللفظ فمن ناحية الحكم بإعجازه ، وبثواب من قرأه ، وبالوعود الكريمة والعطايا العظيمة لمن حفظه ، وبالوعيد الشديد لمن نسيه بعد حفظه ؛ ولمن مسه أو قرأه جنبا إلى غير ذلك. والسنة النبوية ليس للفظها شيء من هذه الأحكام ؛ ولذلك تجوز روايتها بالمعنى. أما معناها : فإن كان مما تتواتر الدواعي على نقله ، وجب تواتره ، وإلا فلا. ولهذا يقطع بكذب نقل الروافض ما نسبوه إلى الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من أنّه نص على أن الإمامة العظمى من بعده محصورة في علي ، وولده. وبيان ذلك : أنّه لو صح ما زعموه ، لنقل متواترا ؛ فإنّه مما تتوافر الدواعي على نقله لتعلقه بأمر يتصل بمستقبل الحكم الأعلى ، والولاية العظمى في الإسلام لجميع بلاد الإسلام» (١).
الشبهة الرابعة :
إنّ تواتر القرآن منقوض بأنّ ابن مسعود لم يوافق على مصحف عثمان بن عفان ، ودليل ذلك :
__________________
(١) الزرقاني : ـ مناهل العرفان ـ ج ١ ص ـ ٤٧٥.