أ ـ ما رواه النسائي ، وأبو عوانة ، وابن أبي داود أن شقيق بن سلمة قال : «خطبنا عبد الله بن مسعود على المنبر ، فقال : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، غلوا مصاحفكم ، (أي اخفوها حتى لا تحرق). وكيف تأمرونني أن أقرأ قراءة زيد بن ثابت ، وقد قرأت من في رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» مثله؟!».
ب ـ ما رواه الحاكم من طريق أبي ميسرة قال : «رحت ، فإذا أنا بالأشعري وحذيفة ، وابن مسعود ، فقال ابن مسعود : «والله ، لا أدفعه ـ (يعني مصحفه) ـ أقرأني رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم»» ، فذكره.
ج ـ إن خير بن مالك يقول : «لما أمر بالمصاحف أن تغير ، ساء ذلك عبد الله بن مسعود ، فقال : من استطاع أن يغل مصحفه (أي يخفيه حتى لا يحرق) ، فليفعل. وقال في آخره : أفأترك ما أخذت من في رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم»؟!!».
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : إنّ هذه الروايات لا تنفي تواتر القرآن ، وقراءته أبدا. ولا تدل على هذا النفي. فهي تدل على امتناع عبد الله بن مسعود عن إحراق مصحفه. وبهذا الامتناع لا ينقض تواتر القرآن في مصحف عثمان. فإنّه ليس من شرط التواتر إحراق المصاحف الأخرى ، ومنها مصحف ابن مسعود. فمن المؤكد توافر شروطها لتواتر القرآن في مصحف عثمان ، وليس منها شرط أن تحرق ما عداه من مصاحف. فإن ما جاء في مصحف عثمان كله مروي جماعة عن جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب.
ثانيا : إنّ هذه الروايات لا تفيد مطلقا أن ابن مسعود خالف ما جاء في مصحف عثمان بن عفان. والدليل على ذلك قول ابن مسعود نفسه : «وقد قرأت من في رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» مثله». فكلمة «مثله» تفيد أن زيد بن ثابت قرأ القرآن نفسه من رسول الله «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، ودونه في مصحف عثمان.