الشبهة الثالثة :
إنّ القرآن المكّي تأثر بالبيئة. ودليل ذلك القسم فيه بالكثير من المحسوسات كالليل ، والنهار ، والضحى ، والشمس ، والقمر ، والتين ، والزيتون ، وطور سنين ، والرياح ، والخيل. وهذا عكس القرآن المدني حيث خلا من كل ذلك.
تفنيد هذه الشبهة :
يمكننا تفنيد هذه الشبهة من خلال أمرين اثنين :
أولا : إنّ القسم بالأمور الحسية إنما هو من قبيل رعاية مقتضى الحال. والقرآن المكي ـ وهو يخاطب صناديد قريش ، وأئمة الشرك ، وجبابرة العناد ـ أجاد في طرح دلائل الألوهية ؛ وتفنن في عرض أساليب الإفحام بالقسم بالأمور الحسية ؛ والتذكير بشواهد الخلق ، والنعم المحيطة بأهل مكة ؛ نبذا لعقائد الشرك من عقولهم ، وطرحا لشواهد الجحود من أذهانهم سيما وأنهم يؤمنون بتوحيد الربوبية ؛ وهي نسبة أفعال الله إليه تعالى : كالخلق ، والرزق ، والحياة ، والممات ، والشفاء ، والمرض ، وكل ذلك حتى يلفت أذهانهم إلى حقيقة الألوهية ، وأنّها الخالقة لكل ، ولمثل هذه المخلوقات ، والنعم ، والأمور الحسية التي أقسم الله بها.
وكما يقول أستاذنا المرحوم محمد عبد العظيم الزرقاني : بأن المصاب بداء الشرك لا سبيل لإنقاذه منه إلا بمثل الطريقة المثلى التي سلكها القرآن بعرض دلائل التوحيد من آيات الله في الآفاق على أنظار المشركين. وهذا سبيل متعيّن في خطاب كل مشرك ، ولو كان واحد الفلاسفة ، ووحيد العباقرة ، وأستاذ المثقفين ، والمستنيرين. فحلف القرآن بأمثال هاتيك المخلوقات والحسيات ، ليس سبيلا إلى الطعن في القرآن (١).
__________________
(١) د. محمد عبد العظيم الزرقاني ـ مناهل العرفان. ج ١ ص ـ ٢٢٢.