بأي تفاوت أو انقطاع بينهما بل بكمال الصلة ، والتناسق ، وجمال الانسجام ، وانتظام الأحكام.
ولو كان الأمر كما يدّعون ، لما غاب ذلك عن أئمة الفصاحة والبيان من العرب ؛ والذي نزل فيهم ، وتحداهم فلم يجرءوا ـ وعلى تماديهم في التحدي ـ على القول بانقطاع الصلة بين قسميه المكي والمدني. وعلى العكس من ذلك ، فقد شهدوا له بقسميه المكي ، والمدني بمراعاة قانون التحكم في قواعد البلاغة ، والتناسق في السرد ، والتلاوة ، والانتظام في النظم ، والأسلوب ؛ وهو ينتقل من المكي إلى المدني بالنسبة للسور ، ومن الآيات المكية في السور المدنية ، والآيات المدنية في السور المكية بالنسبة للآيات.
وما القصر للمكي ، والطول للمدني إلا شاهد بياني ، وبلاغي في أسلوب المخاطبة ، والتناسب مع الأحوال. فأهل مكّة اتسموا بالتمتع ، والتشدد ، والغلظة ، والصلافة ، فكان أسلوب الزجر المتسم بشواهد القصر مناسبا لهم. وعلى العكس من ذلك فأهل المدينة اتسموا باللين ، والسماحة ، والقبول ، فكان أسلوب الإطناب ، والإسهاب المتصف بشواهد الطول مناسبا لهم. وهذه غاية التناسق ، والتناسب في التخاطب. وهكذا اقتضت شواهد التناسب في المخاطبة مع الأحوال أن يأتي القرآن المكي في معظمه موجزا قصيرا ، والمدني في معظمه طويلا مطنبا.
الثاني : إن القول بقصر المكي ، وطول المدني ليس مقبولا على إطلاقه بل هو على الغالب ، ولذا فقد احتوى القسم المكي على سور طويلة كسورة الأنعام ، وقد احتوى القسم المدني على سور قصيرة كسورة النصر. ولو كان القول بقصر المكي ، وطول المدني على الأكثر والأغلب ، لكان صحيحا ، ونحن نسلم به. أما القول بذلك على الإطلاق ، فلا يمكن قبوله ؛ وخاصة أن هذا مصحوب بسوء النية ، والافتراء على القرآن ، والكافر لا يعدم الوسيلة ، ولو اتّصفت بالتفاهة ، والسفاهة للنيل من قرآن ربنا ؛ قرآننا.