الثالث : إن تفسير الانحطاط بفقدان الجمال الأسلوبي ، وشواهد الفصاحة ، والبيان يجعل من دعوى الادعاء بذلك ثالثة الأثافي. والكل يعلم أن أهل مكة كانوا من أكثر القبائل علما بلغتهم بيانا ، وفصاحة ، وبلاغة ؛ وأن القرآن الكريم تحداهم ببيانه ، وفصاحته ، وفي عقر دارهم فعجزوا ؛ وهم الذين اعترفوا ـ وعلى كفرهم وشركهم ـ بجمال القرآن في أسلوبه ، وتناسقه بين آياته ، وسوره ، وإحكام نظمه ، وترابط نسقه. فكلمة القرآن ، وهم يشهدون على ذلك ، لم تهبط أبدا إلى مستوى الدارج في التعبير ، أو عدم النقاء في التوضيح ـ والإقرار حجة على المقر ـ وهذا زعيم فصحائهم ، وكبير شعرائهم ، وعالم بيانهم ، وكبيرهم الذي علمهم السحر الوليد بن المغيرة يشهد على جمال أسلوب القرآن ، وحلاوته ، وطلاوته ، فهو يقول ـ وقد سمع قرآنا مكيا من لسان المصطفى «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ـ «والله ، لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ؛ إنّ له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ؛ وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ؛ وإنّه يعلو ولا يعلى» ولتكن هذه الشبهة شبهة على ادعاءاتهم ، ودليلا واضحا على سفاهة أقوالهم ، وانحطاط أفكارهم ، وهم الخرّاصون فعلا ، والساهون حقيقة. وخير مصداق عليهم قوله تعالى في قرآنه المكي ، وفي سورة الذاريات وهي مكية : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) آية ١٠ ـ ١١.
الشبهة الخامسة :
إن القرآن المكي اتسم بالبذاءة ، والشتم ، والسباب ، وفحش القول. ودليلهم على ذلك ما جاء في بعض السور مثل : سورة ـ (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) وسورة ـ (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ). وسورة ـ «ألهيكم التكاثر» وقوله تعالى في سورة الفجر : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).