تفنيد هذه الشبهة :
يمكننا تفنيد هذه الشبهة من خلال أمرين اثنين :
الأول : إنّ من التناقض الغريب ، والعجيب أن يتهم أعظم كتاب ، وأسمح فرقان ، أسهب في الكلام عن فضائل الأخلاق ، والحض على أدب السلوك ، والكلام ، أن يتهم بأنّه اتّسم بالبذاءة ، والسباب. والتحدّي قائم لهم أن يأتوا ولو بدليل واحد فقط يؤيد شبهتهم ، ويثبت بذاءتهم ، وتفاهتهم ، وفحشهم في أقوالهم ؛ وأن القرآن في أسلوبه ، ونظمه ، وكلامه ، خرج عن أدب اللياقة في التعبير ، والأدب في القول ، أو الكلام.
فقد صدق فيهم قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) سورة الكهف آية ٥. ونحن نتساءل : هل يعقل أن يأتي كتاب بأصول الآداب ، ويدعو إلى فضائل الكلام ، وفي نفس الوقت يخرج عن أصول الآداب ، ويتحلى برذائل الكلام ، وينطق بمفردات السباب ، ويتكلم بفحش الأقوال؟!! صحيح أنّه اتسم بالشدة في أسلوبه ، والتقريع في إفحامه لكنه لم يخرج أبدا عن حدود اللياقة والأدب. وهو في شدته وتقريعه كان موفقا في رعاية أحوال مخاطبيه ؛ فهؤلاء اتسموا بشدة الصّلابة ، وبذاءة المكابرة ، وفحش المعاندة ؛ فجاء بكلماته ، ومفرداته ، وتعابيره ، وأساليبه محاطة بشواهد الأدب الجم ، شديدة في دلالاتها ، مناسبة لأحوال مخاطبيها تحدوها الرعاية لهم ، وهدايتهم ، وتلقينهم معالم الإيمان ، ومؤشرات الإسلام. ومع أنّهم لم يؤمنوا ، ومع أنّهم لم يسملوا اتهموا القرآن بالشدة ، وأفرغوا آياته من معانيها الأدبية ، وكللوها بمعاني الاتهام بالبذاءة ، والسباب ، والشتم ؛ فخرجوا هم عن حدود اللياقة ، والأدب في عنادهم وكبريائهم.
وأما إذا كانت الشدة بمعنى التسفيه لأحلامهم ، والتقريع لترهاتهم ، فهذا نقبل به. وفي نفس الوقت هو لصالحهم حتى لا تبقى لهم حجة لبقائهم على كفرهم ، وعنادهم ، وشركهم ؛ فيسلموا ، ويؤمنوا. ولكن هيهات