ج ـ سورة المعارج ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الآيات ٢٣ ـ ٢٥.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) الآيات ٢٩ ـ ٣٤.
د ـ سورة المرسلات ـ وهي من أوائل السور المكية في النزول. قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) الآية ٤٨.
ثانيا : إن قلة ورود التشريع ، والأحكام في القرآن المكي ، وكثرته في المدني هو من قبيل التدرج الموفّق في النزول ؛ والأسلوب الحسن في التلقين ؛ والرعاية الجيدة لأحوال المخاطبين. وبقليل من التفكّر ، والتدبر تدرك العقول السليمة أن النزول القرآني الأول ـ وهو المكي ـ جاء مناسبا لأحوال الناس ، فبدأ بالعقيدة قبل الأحكام ، والتوحيد قبل التشريع ، والإيجاز في التفصيل قبل الإطناب. فمن البداهة بمكان أن ينزل القرآن متدرجا بأصول الايمان ، والعقيدة ، والتوحيد ، ومظاهر البعث ، والجزاء ، ومعالم الحشر ، وشواهد الحساب والعقاب ، وذكر الجنة والنار. ومن البداهة بمكان أن يخاطب القرآن المكي الناس في عقائدهم حتى إذا خلصهم من عقائد الشرك ، والوثنية ، ومن ثمّ أصبحوا مؤمنين ، قادهم إلى التكليف ، ففصل لهم التشريع ، وأوجب عليهم العمل بأحكام الحلال والحرام. أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام ، نزل الحلال ، والحرام. ولو نزل أول شيء : لا تقربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا. ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا أبدا». فإنّ قلة ورود التشريع والأحكام في القرآن المكي يعتبر شهادة له في الألوهية العالمة بأحوال العباد ، وليس شبهة عليه أو حوله. فقد شاءت حكمة الله أن يتدرج مع هؤلاء المعاندين المكابرين في المخاطبة ، فيبدأ بخلخلة عقائدهم ، وإبطال شركهم حتى