يفرغوا عقولهم منها ، ويحلّوا محلها عقيدة الإيمان بالله الواحد الأحد ، وكان هذا حال النزول القرآني المكي. وبعد أن تمّ ذلك خاطبهم بالتكليف ، وجاء بالأحكام ، وفصّل التشريع. وكان هذا حال النزول القرآن المدني. والتساؤل يبقى واردا في الأذهان في هذا المقام : هل من العقلانية السليمة ، أو كيف يتقبل العقل السليم أن يكلف القرآن في بدء نزوله ـ وهو المكي ـ أهل مكة بالتكليف ، ويفصّل لهم التشريع ، ويطبق عليهم الأحكام وهم لا يزالون على عقائد الشرك ، والكفر ، والوثنية ، والضلال؟!! إذن ، وكذلك ومن أجل ذلك خلا القرآن المكي من تفاصيل الأحكام والتشريع ، ومن أجل ذلك أكثر القرآن المدني من تفاصيل الأحكام والتشريع. وإذن فلتردّ هذه الشبهة على أصحابها ؛ وليرد كيدهم إلى نحورهم ، وليرد ارتيابهم إلى بطلانهم. وصدق فيهم قول ربنا (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) سورة العنكبوت الآية ٤٨.
الشبهة السابعة :
إن القسم المكيّ خلا من ذكر أهل الكتاب ، بينما اقتصر ذلك على المدني. وهم بذلك يدللون على زعمهم بأن محمدا «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ألف القرآن من عنده ، وتعلمه من أهل الكتاب متأثرا بالبيئة التي كان يعيش فيها ؛ حيث جاء القرآن المدني بذكر أهل الكتاب حيث يسكنون المدينة ، وجاء القرآن المكي خاليا من ذكرهم حيث خلت مكة من وجودهم.
تفنيد هذه الشبهة :
أولا : إن القول بأن القرآن المكي خلا من ذكر أهل الكتاب على الإطلاق قول باطل. ولو قيل : إن القرآن قلل من ذكر أهل الكتاب لكان صحيحا. ومن الخطأ الادعاء بأن مكة كانت خالية تماما من أهل الكتاب. فقد وردت سور ، وآيات مكيّة عديدة تذكر أهل الكتاب ، ومنها :