وقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ....) الآية ، إقامة الوجه : هي تقويم المقصد والقوة على الجدّ في أعمال الدين. وخص الوجه ؛ لأنه جامع حواس الإنسان ؛ ولشرفه. و (فِطْرَتَ اللهِ) نصب على المصدر.
وقيل : بفعل مضمر تقديره : اتبع أو التزم فطرة الله ، واختلف في الفطرة هاهنا ، والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدّة مهيّئة لأن يميز بها مصنوعات الله ، ويستدلّ بها على ربّه ، ويعرف شرائعه ؛ ويؤمن به ، فكأنه تعالى ، قال : أقم وجهك للدّين الذي هو الحنيف ، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر ؛ لكن تعرضهم العوارض ؛ ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح : «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه ...» الحديث (١) ـ ، ثم يقول
__________________
(١) أخرجه البخاري (١١ / ٤٩٣) كتاب القدر : باب الله أعلم بما كانوا عاملين ، الحديث (٦٥٩٩) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٨) : كتاب القدر : باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ، الحديث (٢٥ / ٢٦٥٨) ، وأبو داود (٥ / ٨٦) : كتاب السنة : باب في ذراري المشركين ، الحديث (٤٧١٤) ، والترمذيّ (٣ / ٣٠٣) : كتاب القدر : باب كل مولود يولد على الفطرة ، الحديث (٣٢٢٣) ، ومالك (١ / ٢٤١) : كتاب الجنائز : باب جامع الجنائز ، الحديث (٥٢) ، وأحمد (٢ / ٢٣٣) ، والحميدي (٢ / ٤٧٣) ، رقم (١١١٣) ، وعبد الرزاق (٢٠٠٨٧) ، وأبو يعلى (١١ / ١٩٧) ، رقم (٦٣٠٦) وابن حبان (١٢٨ ، ١٣٠) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٩ / ٣٢٨) ، من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : كل مولود يولد على الفطرة ؛ فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج الإبل جمعاء ، هل تحس فيها من جدعاء ، قالوا : يا رسول الله : أرأيت الذي يموت وهو صغير ، قال : الله أعلم بما كانوا عاملين.
ولفظ مسلم مصدرا بلفظ : كل إنسان تلده أمه على الفطرة ، وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه ، فإن كانا مسلمين فمسلم ، كل إنسان تلده أمه ، يلكز الشيطان في حضنيه إلا مريم وابنها.
وفي الباب عن جابر والأسود بن سريع وابن عباس وسمرة بن جندب.
ـ حديث جابر :
أخرجه أحمد (٣ / ٣٥٣) من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا.» وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧ / ٢٢١) وقال : رواه أحمد وفيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه خلاف وبقية رجاله ثقات.
ـ حديث الأسود بن سريع :
أخرجه أحمد (٣ / ٤٣٥) ، وابن حبان (١٦٥٨ ـ موارد) ، وأبو يعلى (٢ / ٢٤٠) رقم (٩٤٢) ، والطبراني في «الكبير» (١ / ٢٨٣) رقم (٨٢٨) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٢ / ١٦٣) من حديث الأسود بن سريع بمثل حديث جابر.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥ / ٣١٩) وقال : رواه أحمد بأسانيد والطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ... وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. ـ