(فِطْرَتَ اللهِ ...) الآية ، إلى (الْقَيِّمُ) فذكر الأبوين إنما هما مثال للعوارض التي هي كثيرة. وقال البخاريّ : فطرة الله : هي الإسلام (١) ، انتهى.
وقوله تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يحتمل أن يريد بها هذه الفطرة ، ويحتمل أن يريد بها الإنحاء على الكفرة ؛ اعترض به أثناء الكلام ؛ كأنه يقول : أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا ، فإنّ هؤلاء الكفرة قد خلق الله لهم الكفر ، و (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ، أي : أنهم لا يفلحون ، وقيل غير هذا ، وقال البخاري : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي : لدين الله ، وخلق الأولين : دينهم. انتهى. و (الْقَيِّمُ) بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة ، و (مُنِيبِينَ) يحتمل أن يكون حالا من قوله (فَطَرَ النَّاسَ) لا سيّما على رأي من رأى أنّ ذلك خصوص في المؤمنين ، ويحتمل أن يكون حالا من قوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) وجمعه : لأن الخطاب بإقامة الوجه هو للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأمته نظيرها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١]. والمشركون المشار إليهم في هذه الآية : هم اليهود والنصارى ؛ قاله قتادة (٢) ، وقيل غير هذا.
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
__________________
ـ حديث ابن عباس :
أخرجه البزار في «مسنده» (٢١٦٧ ـ كشف). وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٢١) بلفظ : «كل مولود يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه».
وقال الهيثمي : رواه البزار وفيه ممن لم أعرفه غير واحد.
ـ حديث سمرة بن جندب :
أخرجه البزار (٢١٦٦ ـ كشف) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٢١) ، وقال : رواه البزار وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف. ونقل عن يحى القطان أنه وثقه.
(١) ينظر : «البخاري» (٨ / ٣٧٢) كتاب التفسير : باب : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ).
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ١٨٥) رقم (٢٧٩٧٣) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٣٧) ، والسيوطي (٥ / ٣٠٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة.