كان قد رعى معه الغنم ـ : ما بلغ بك يا لقمان ما أرى؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتركي ما لا يعنيني ، وحكم لقمان كثيرة مأثورة.
قال ابن العربيّ في «أحكامه (١)» : وروى علماؤنا عن مالك قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ ، إنّ الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون ، وهم إلى الآخرة سراعا يذهبون ، وإنك قد استدبرت الدنيا مذ كنت ، واستقبلت الآخرة مع أنفاسك ، وإن دارا ستسير إليها ؛ أقرب إليك من دار تخرج منها ، انتهى.
وقوله : (أَنِ اشْكُرْ) يجوز أن تكون «أن» في موضع نصب على إسقاط حرف الجر ، أي : بأن اشكر لله ويجوز أن تكون مفسّرة ، أي : كانت حكمته دائرة على الشكر لله ، وجميع العبادات داخلة في الشكر لله عزوجل ، و (حَمِيدٌ) بمعنى : محمود ، أي : هو مستحق ذلك بذاته وصفاته.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٢١)
وقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) هاتان الآيتان اعتراض أثناء وصية لقمان و (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) معناه ضعفا على ضعف ، كأنه قال : حملته أمه ، والضعف يتزيد بعد الضعف إلى أن ينقضي أمده.
وقال ص : (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) حال من أمه أي شدة بعد شدة ، أو جهدا على جهد ، وقيل (وَهْناً) نطفة ، ثم علقة ، فيكون حالا من الضمير المنصوب في جملته. انتهى.
__________________
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٤٩٥)