بِهِنَ) [الأحزاب : ٥٢] فيجيء هذا الضمير مقطوعا من الأول عائدا على أزواجه التسع فقط ؛ على الخلاف في ذلك ، وتأوّل غير ابن زيد في قوله : (أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) من في عصمته ممن تزوّجها بمهر ؛ وأنّ ملك اليمين بعد حلال له ؛ وأن الله أباح له مع المذكورات بنات عمّه وعماته ، وخاله ، وخالاته ، ممن هاجر معه ، والواهبات خاصّة ، فيجيء الأمر على هذا التأويل أضيق على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس : كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يتزوّج في أيّ النّساء شاء ، وكان ذلك يشقّ على نسائه ، فلما نزلت هذه الآية ، وحرّم عليه بها النّساء ؛ إلّا من سمّي سرّ نساؤه بذلك (١).
وقوله سبحانه : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ...) الآية ، قال السهيليّ : ذكر البخاريّ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنّها قالت : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن ؛ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدلّ على أنهن كن غير واحدة (٢) ، انتهى : وقوله : (خالِصَةً لَكَ) أي : هبة النساء أنفسهن خاصة بك دون أمّتك.
قال ع (٣) : ويظهر من لفظ أبيّ بن كعب أن معنى قوله : «خالصة لك» يراد به جميع هذه الإباحة ؛ لأن المؤمنين لم يبح لهم الزيادة على أربع (٤). وقوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) يريد هو كون النكاح بالولي والشاهدين ، والمهر ، والاقتصار على أربع ؛ قاله قتادة ومجاهد.
وقوله : (لِكَيْلا) أي : بيّنا هذا البيان. (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) ويظن بك أنك قد أثمت عند ربّك.
(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) (٥١)
وقوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ...) الآية ، ترجي معناه : تؤخّر و (تُؤْوِي)
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٤ / ٣٩١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٣٩٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) ذكره البخاري تعليقا (٩ / ٦٨) كتاب النكاح : باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد ، حديث (٥١١٣)
(٣) ينظر : «المحرر» (٤ / ٣٩٢)
(٤) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣١١) رقم (٢٨٥٥٢).
وذكره ابن عطية (٤ / ٣٩٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٠٠)