وقوله سبحانه : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) قيل : الجسد من الأحياء : ما لا يتغذّى ، وقيل : الجسد يعمّ المتغذي من الأجسام وغير المتغذي ف (جَعَلْناهُمْ جَسَداً) على التأويل الأول : منفيّ ، وعلى الثاني : موجب ، والنفي واقع على صفته.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) الآية ، هذه آية وعيد.
وقوله : (وَمَنْ نَشاءُ) يعني من المؤمنين ، و (الْمُسْرِفِينَ) : الكفّار ، ثم وبّخهم تعالى بقوله : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً) / يعني : القرآن ، (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ، أي : شرفكم ، آخر الدّهر ، وفي هذا تحريض لهم ، ثم أكّد التحريض بقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) و (كَمْ) للتكثير ، و (قَصَمْنا) معناه : أهلكنا ، وأصل القصم : الكسر في الأجرام ، فإذا استعير للقوم والقرية ونحو ذلك فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم ، و (أَنْشَأْنا) ، أي : خلقنا وبثثنا أمّة أخرى غير المهلكة.
وقوله : (فَلَمَّا أَحَسُّوا) وصف عن حال قرية من القرى المجملة أوّلا ؛ قيل : كانت باليمن تسمّى «حضور» ، بعث الله تعالى إلى أهلها رسولا فقتلوه ، فأرسل الله تعالى عليهم بختنصر صاحب بني إسرائيل فهزموا جيشه مرتين ، فنهض في الثالثة بنفسه ، فلما هزمهم ، وأخذ القتل فيهم ركضوا هاربين ، ويحتمل أن لا يريد بالآية قرية بعينها ، وأنّ هذا وصف حال كلّ قرية من القرى المعذّبة إذا أحسّوا العذاب ؛ من أي نوع كان (١) ، أخذوا في الفرار و (أَحَسُّوا) باشروه بالحواسّ.
ص : (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) «إذا» الفجائية ، وهي وما بعدها جواب لما. انتهى.
(لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (١٦)
وقوله : (لا تَرْكُضُوا) يحتمل على الرواية المتقدّمة أن يكون من قول رجال بختنصّر على جهة الخداع والاستهزاء بهم ، فلما انصرفوا راجعين أمر بختنصّر أن ينادى فيهم : يا ثارات النّبيّ المقتول (٢) ، فقتلوا بالسّيف عن آخرهم.
__________________
(١) في ج : أكانوا.
(٢) في ج : المفتول.