أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم عن أحمد بن محسن الميثمي ، قال : كنت عند أبي منصور المتطبب ، فقال : أخبرني رجل من أصحابي قال : كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام ، فقال ابن المقفع : ترون هذا الخلق؟ وأومأ بيده إلى موضع الطواف ـ ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس ـ يعني جعفر بن محمد عليهماالسلام ـ فأما الباقون فرعاع وبهائم ، فقال له ابن أبي العوجاء : وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال : لأني رأيت عنده ما لم أر عندهم ، فقال ابن أبي ـ العوجاء : ما بد من اختبار ما قلت فيه منه ، فقال له ابن المقفع : لا تفعل ، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك ، فقال : ليس ذا رأيك ، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت ، فقال ابن المقفع : أما إذا توهمت على هذا فقم إليه ، وتحفظ ما استطعت من الزلل ، ولا تثن عنانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال ، وسمه ما لك أو عليك (١) قال : فقام ابن أبي العوجاء ، وبقيت أنا وابن المقفع ، فرجع إلينا ، فقال : يا ابن المقفع ما هذا ببشر ، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا ، فقال له : وكيف ذاك؟ فقال : جلست إليه ، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال : إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم
__________________
١ ـ ( لا تثن ) فعل نهي من الثنى بمعنى العطف ، والاسترسال بمعنى التنازل والانقياد للخصم ، ويسلمك مجزوما من باب التفعيل جواب النهي ، أي لا تعطف ولا ترخ عنانك إلى قبول ما يلقى إليك فإنك إن فعلت ذلك يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه. وسمه عطف على لا تثن ، وهو فعل أمر من وسم يسم سمة بمعنى جعل العلامة ، والضمير راجع إلى الكلام وهو غير مذكور لفظا ، وقوله : ( ما لك أو عليك ) بدل عن الضمير ، أي أعلم كلامك علامة وميز ما فيه نفعك أو ضررك في مقام المجادلة والمحاجة حق التمييز حتى تتكلم ما فيه نفعك وتسكت عما فيه ضررك.