معدوم ، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل (١) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) هو ما قاله الرضا عليهالسلام دون تأويله المشبهة ، فإنه عزوجل هاد لأهل السماوات والأرض ، المبين لأهل السماوات والأرض أمور دينهم ومصالحهم ، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والأرض إلى صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات والأرض إلى صلاح دنياهم قال : إنه نور السماوات والأرض على هذا المعنى ، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا ، لأن العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس الأنوار والضياء ، لأنه خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء ، وقد دل على ذلك أيضا قوله : ( مثل نوره ) وإنما أراد به صفة نوره ، وهذا النور هو غيره ، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية ، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح ، لأن الله لا شبه له ولا نظير ، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات والأرض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله ، ثم بين وضوح دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم ، فقال : مثله كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه ، والكوكب الدري ، هو الكوكب المشبه بالدر في لونه ، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت زيتونة مباركة ، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال : إنه بورك فيه لأهله وعنى عزوجل بقوله : ( لا شرقية ولا غربية ) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب ، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع ، بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها ، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض على
__________________
١ ـ في البحار نقلا عن التوحيد ( فوجود الأرض مظلمة بالليل ).