مدبرون ، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال أيضا : ( من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ). وقال أيضا : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (١) وقال أيضا : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (٢) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول : إن المكون يبيد يوما ما ، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ، ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا ، هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم ذلك إن شاء الله (٣).
٣ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضياللهعنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم أن رجلا سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، معتمل ، مركب ، للأشياء فيه مدخل (٤) وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه ، واحد ، أحدي الذات ، وأحدي المعنى ، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال ، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة
__________________
١ ـ النساء : ٨٠.
٢ ـ الفتح : ١٠.
٣ ـ إذا كان لا لحاجة كان واجب الوجود ، وواجب الوجود يستحيل أن يحد أو يكيف.
٤ ـ قوله : معتمل على صيغة المفعول أي منفعل يتأثر من الأشياء ، وتقدير الكلام :
لأن المخلوق معتمل ـ الخ ، كما في الكافي.