فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار ، والشمس والقمر دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد (١) ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما ، قديما معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا ، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة (٢).
قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليل عليه؟ قال أبو ـ عبد الله عليهالسلام : وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده ،
قال : فما هو؟ قال : هو شيء بخلاف الأشياء ، ارجع بقولي : شيء إلى إثبات
__________________
١ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( دل على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن المدبر واحد ).
٢ ـ إلى هنا أشار عليهالسلام إلى أدلة لتوحيد الصانع : الأول إن الشقوق في الصانعين من حيث القوة التامة ثلاثة : اثنان منها ظاهرا البطلان لم يتعرض إلا لأحدهما لشدة وضوح بطلان الآخر ، والشق الثالث أن يكون لكل منهما قوة تامة فيلزم أن يقوى كل منهما على دفع الآخر وإلا لم تكن قوته تامة فحينئذ يكون لكل منهما دافعا ومدفوعا وهو محال. الثاني أن الشقوق من حيث الافتراق والاتفاق أيضا ثلاثة : الأول الاتفاق من كل جهة وهذا يرفع الاثنينية لأنها لا تتصور من دون الامتياز والامتياز. لا يتصور إلا بالافتراق من جهة أو جهات. الثاني الافتراق من كل جهة فلو كان الأمر كذلك لزم الفساد في التدبير وانتفاء النظام في الخلق ولكن الخلق منتظم والتدبير صحيح ، وإلى بطلان هذا التالي أشار عليهالسلام بقوله : فلما رأينا الخلق منتظما الخ ، الثالث الافتراق من بعض الجهات ، ولم يذكره عليهالسلام لأن حكمه حكم الشق الثاني. الثالث كون الصانع اثنين يستلزم أن يكون لأحدهما لا أقل من شيء يحصل لهما الامتياز به إذ عدم الامتياز يرفع الاثنينية ، والامتياز بتمام الذات معقول إلا أنه لا يتصور إلا بالاشتراك في أصل الوجود فيعود في المفروض ، وحكم الثلاثة في الامتياز حكم الاثنين فيكون الثلاثة خمسة ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فكان صانع العالم أشياء غير متناهية.