آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب ، وأما قوله : ( وما كان ربك نسيا ) فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ، فهل فهمت ما ذكر الله عزوجل ، قال : نعم ، فرجت عني فرج الله عنك وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.
فقال عليهالسلام : وأما قوله : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) وقوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) وقوله : ( يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) وقوله : ( إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) وقوله : ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) وقوله : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، يجمع الله عزوجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ، ويكلم بعضهم بعضا ويستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا للرؤساء والاتباع (١) ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا (٢) والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : يبرء بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان ( إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) (٣) وقول إبراهيم خليل الرحمن : ( كفرنا بكم ) (٤) يعني تبرأنا منكم ، ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أن تلك
__________________
١ ـ الرؤساء من أهل الحق. والاتباع مصدر عطف على الطاعة.
٢ ـ قوله : ( ويلعن أهل المعاصي ) عطف على يجمع ، وفاعله ضمير راجع إلى الله عزوجل ، وأهل المعاصي مفعوله ، والموصول صفة لأهل المعاصي ، المستكبرين والمستضعفين صفتان بعد صفة ، ويكفر ويلعن حالان للمفعول.
٣ ـ إبراهيم عليهالسلام : ٢٣.
٤ ـ الممتحنة : ٤.