مسائل فأجابه عنها ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عرفت الله بمحمد أم عرفت محمدا بالله عزوجل؟ فقال علي بن أبي طالب عليهالسلام : ما عرفت الله بمحمد صلىاللهعليهوآله ، ولكن عرفت محمدا بالله عزوجل حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول ، وعرض ، فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته وعرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف (١).
__________________
١ ـ قيل هذا نظير دعا مأمور بقراءته في أيام غيبة صاحب الأمر عليهالسلام : ( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ـ الخ ) ، وهذا ظاهر لأن المضاف بما هو مضاف لا يعرف إلا بعد معرفة المضاف إليه ، أقول : هذا حق ، ولكنه عليهالسلام نهج هنا منهجا آخر مذكورا في كثير من أحاديث الكتاب ، ومراده عليهالسلام : إني ما عرفت ذاته تعالى بحدود ذات محمد صلىاللهعليهوآله لأن ذاته لا تدرك بذاته ولا بشيء من الذوات ، ولكن عرفت محمدا صلىاللهعليهوآله بذاته وخصوصياته أنه مصنوع مدبر له بإلهامه تعالى ودلالته إياي.
وجملة الكلام في معرفته تعالى أنه لا يدرك ذاته ولا صفاته الذاتية لأنها عينها. وهذا ما نطق به كثير من أحاديث الكتاب من أنه تعالى لا يوصف ولا يدرك بعقل ولا بوهم ، فالمدرك منه بحسب العقل والتصور هو العناوين الصادقة عليه ذاتا أو صفة كالشيء والموجود والإله والعالم والحي والقادر إلى غير ذلك من أسمائه تعالى كما تبين في مواضع من الكتاب وأمر العباد بأن يدعوه بها ، وبحسب الفطرة هو نوره وظهوره لكل موجود على قدر نورانيته وصفاء فطرته ، وهذا ما نطق به الآيات والأخبار من لقائه ورؤيته بالقلب وشهوده وغير ذلك من التعبيرات ، ثم إن معرفته كائنة ما كانت من حيث السبب بذاته لا بشيء آخر لأنه مبدء الكل فأينما كانت فيه كانت سواء كان لها مبدء وسطي أم لا وسواء كان لها شرط أم لا كسائر الأمور فما صدر عنهم عليهمالسلام من أنه يعرف بذاته لا بخلقه وأنه دال على ذاته بذاته وأمثالهما ناظر إلى هذه الحيثية ، وهنا كلام آخر لا يسعني ذكره ، وأما من حيث الوجود فمتوقفة على الخلق إذ حيث لا خلق لا معرفة للخلق به ، وهذا ما شاع في الآيات والأخبار وألسنة العلماء والمتكلمين من الاستدلال بالآثار على مبدء الآثار ، فاحتفظ على هذه الوجوه كي لا يشتبه عليك المراد في الأحاديث المختلفة التي كل منها ناظر إلى كل منها.