وإني لما رأيت ـ بعد انتشار الطبعة الأولى ـ إقبال الفضلاء لاقتناء نسخه ، واعجابهم بتصحيحه وتحقيقه وتعاليقه العلمية التي عني بها الشريف الحجة السيد هاشم الحسيني الطهراني ـ مد ظلة العالي ـ أحد أماجد المحققين في عصرنا هذا ، حداني ذلك إلى نشره مرة ثانية مشكولا بإعجام كامل دقيق ، حرصا على تنقيب ـ الكتاب وتخليده ، وتسهيلا للقراء الناشئين الكرام ، ووفاء لحق التأليف والمؤلف ، وإن كان كثير من أهل العلم يكرهون الإعجام والأعراب ، ولا يسوغونه إلا في الملتبس أو الذي يخشى أن يلتبس ، وقالوا : ( إنما يشكل ما يشكل ). ولكني رأيت الصواب في إعجامه لأن الاعجام يمنع الاستعجام ، والشكل يمنع الإشكال لا سيما في أسماء الناس لأنها شيء لا يدخله القياس ، ففعلت ذلك وبليت بحمل أعبائه حينما كان الليل دامسا ، وبحر الظلام طامسا ، قد ضربت الفتنة سرادقها ، وقامت على سنابكها ، خيل المصائب نازلة ، وكوارث النوائب متواصلة ، دهم الكفر ساحتنا ، ورام استباحتنا ، فكم من دماء لأبنائنا سفكت ، وأحاريم هتكت ، يسمع من كل ناحية عويل وزفرة ، ويرى في كل جانب غليل وعبرة ، لا تراب منهم درجوا ، وشبان في دمائهم ولجوا ، وجرحى لا يرجى لهم الالتيام. وإنما الشكوى ترفع إلى رب الأنام ، أليس الله بعزيز ذي انتقام؟ والحديث ذو شجون ، ولعل القائل غير مصون ، والعدو غشوم ظلوم ، ولا أمل له إلا في التمرس بالمسلمين ، وإعمال الحيلة على المؤمنين ، يظهر أنه ساع لهم في العاقبة الحسنى ، وداع لهم إلى المقصد الأسنى والحضارة العليا ، مع أنه يسر حسوا في ارتغائه ، وأياديه يلتمسون له الحيل ابتغاء مرضاته ، وليس هنا مجال الكلام ، ولكل مقال مقام ، وذكر تفصيل الواقعة يطول ، فلنضرب عنه صفحا ونقول : ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
والواجب علي في هذه العجالة ، وختام هذه المقالة أن أنوه بذكر الشابين الفاضلين الألمعيين : ( حسين آقا أستاذ ولي ) و ( محسن آقا الأحمدي ) وفقهما الله لمرضاته حيث وازراني في عمل هذا المشروع فلله درهما وعلى الله برهما.
غرة ذي الحجة ١٣٩٨ ـ ق تطابق ١١ / ٨ / ١٣٥٧ ـ ش |
علي أكبر الغفاري إيران ـ طهران |