الآخرة بالحمد لنفسه ، فقال : ( وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) (١).
الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلا تمثل ، والمستوي على العرش بلا زوال ، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهي إلى حده ، ولا له مثل فيعرف بمثله ، ذل من تجبر غيره ، وصغر من تكبر دونه ، وتواضعت الأشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته ، وكلت عن إدراكه طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، ولا يعد له شيء ، الظاهر على كل شيء بالقهر له ، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة ، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم ، أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، ابتدأ ما أراد ابتداءه ، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من الثقلين الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته ، وتمكن فيهم طواعيته.
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشد أمورنا ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه ، فهدانا به من الضلالة ، واستنقذنا به من الجهالة ، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ونال ثوابا كريما ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا ، واستحق عذابا أليما ، فانجعوا (٢) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الأمور المكروهة ، وتعاطوا
__________________
١ ـ الزمر : ٧٥.
٢ ـ الانجاع : الافلاح ، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه ، أي فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الآخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا.