قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس ، هل تقبّل الله منّا ومنهم أم لا؟ فأنزل الله جلّ ثناؤه فيهم : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) قال : صلاتكم قبل بيت المقدس ، يقول : إنّ تلك طاعة وهذه طاعة (١).
[٢ / ٣٦٠٠] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وذلك أنّ حيي بن أخطب اليهودي وأصحابه ، قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، أكانت هدى أم ضلالة؟ فو الله لئن كانت هدى ، لقد تحوّلتم عنه ، ولئن كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فتقرّبتم إليه بها ، وإنّ من مات منكم عليها مات على الضلالة! فقال المسلمون : إنّما الهدى ما أمر الله به ، والضلالة ما نهى الله عنه. قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا.
وكان قد مات قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة أسعد بن زرارة من بني النجّار ، ومات البراء بن معرور من بني سلمة ، وكانا من النقباء. ومات رجال فانطلقت عشائرهم فقالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : توفّى إخواننا وهم يصلّون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم عليهالسلام فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). يعني إيمان صلاتكم نحو بيت المقدس يقول لقد تقبّلت منهم (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) يعني يرقّ لهم (رَحِيمٌ) حين قبلها منهم قبل تحويل القبلة (٢).
[٢ / ٣٦٠١] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى أبي عمرو الزبيريّ ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : قلت له : ألا تخبرني عن الإيمان ، أقول هو وعمل ، أم قول بلا عمل؟ فقال : «الإيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل ، مفروض من الله مبيّن في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجّته ، يشهد له بها الكتاب ويدعو إليه. قال : ولمّا أن صرف الله نبيّه إلى الكعبة عن بيت المقدس ، قال المسلمون للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أرأيت صلاتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس ، ما حالنا فيها وما حال من مضى من أمواتنا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، فسمّي الصلاة إيمانا ، فمن اتّقى الله حافظا لجوارحه موفيا كلّ جارحة من جوارحه بما فرض الله عليه ، لقي الله مستكملا لإيمانه من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها أو تعدّى ما أمر الله فيها لقي الله ناقص
__________________
(١) الطبري ٢ : ٢٥ / ١٨٣٨.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٤٥ ـ ١٤٦.