(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(١).
وللمفسرين هنا شرح وتبيين لهذه المواقف ، وبالأحرى تفصيل البيان عن هذه الكلمات نعرضها كما يلي :
للشيخ أبي جعفر ابن بابويه الصدوق ـ عليه الرحمة ـ هنا بيان لطيف جامع لتبيين هذه الكلمات استنادا إلى المستفاد من فحوى آي الذكر الحكيم ، قال :
والابتلاء على ضربين ، أحدهما يستحيل على الله تعالى ذكره ، والآخر جائز. فأمّا ما يستحيل فهو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيّام عنه. وهذا ما لا يصحّ له ، لأنّه ـ عزوجل ـ علّام الغيوب. والضرب الآخر من الابتلاء أن يبتليه حتّى يصبر فيما يبتليه به ، فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق ، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به ، فيعلم من حكمة الله ـ عزوجل ـ أنّه لم يكل أسباب الإمامة إلّا إلى الكافىء المستقلّ ، الذي كشفت الأيّام عنه بخبره.
فأمّا الكلمات فمنها ـ مضافا إلى ما ورد في الحديث ـ : اليقين. وذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(٢).
ومنها المعرفة بقدم باريه وتوحيده وتنزيهه عن التشبيه ، حين نظر إلى الكواكب والقمر والشمس ، فاستدلّ بأفول كلّ واحد منها على حدوثه ، وبحدوثه على محدثه.
ومنها الشجاعة ، وقد كشفت الأيّام عنها. بدلالة قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) ـ قال لهم ذلك مسخّفا لعقليّتهم الهزيلة ـ ولمّا (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) قال لهم بجرأة وشهامة : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). وأخيرا هدّدهم بكلّ صرامة : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.) وبالفعل قام بما هدّدهم ولم يهبهم .. قال الصدوق : ومقاومة إنسان واحد ألوفا حاشدة ، لهي أدلّ دليل على شجاعة فائقة.
والحلم ، كما جاء في قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)(٣).
والسخاء ، ينبؤك به حديث ضيف إبراهيم المكرمين. (٤)
__________________
(١) النجم ٥٣ : ٣٧.
(٢) الأنعام ٦ : ٧٥.
(٣) هود ١١ : ٧٧.
(٤) الذاريات ٥١ : ٢٤. والحجر ١٥ : ٥١.