ثم نزلت فى عينيه ، والحكمة فى ذلك ، أن الله تعالى أراد أن يرى آدم بدء خلقه وأصله. حتى إذا تتابعت عليه الكرامات ، لا يدخله الزهو ولا العجب بنفسه. ثم نزلت الروح فى خياشيمه ، فعطس ، فحين فراغه من عطاسه ، نزلت الروح إلى فيه ولسانه ، فلقنه الله تعالى أن قال : (الحمد لله رب العالمين) فكان ذلك أول ما جرى على لسانه ، فأجابه ربه ـ عزوجل ـ يرحمك ربك يا آدم .. للرحمة خلقتك.
ثم نزلت الروح إلى صدره وشرايينه ، فأخذ يعالج القيام ، فلم يمكنه ذلك. وذلك قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) [الإسراء : ١١] وقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧]
فلما وصلت الروح إلى جوفه اشتهى الطعام ، فهو أول حرص دخل جوف آدم ـ عليهالسلام.
وذكر الترمذى ـ فيما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«لما خلق الله آدم ، مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عينى كل إنسان منهم وبيصا (أى بريقا) من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم ، والأبرص ، والأعمى ، وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب ، لم فعلت هذا بذريتى؟ قال : كى تشكر نعمتى» (١)
فلما أتم الله خلق آدم ـ عليهالسلام ـ ونفخ فيه الروح ، قرّظه وشقه ، وصوره وختمه ، وأنطقه وألبسه من لباس الجنة ، وزينه بأنواع الزينة ، يخرج من ثناياه نور كشعاع الشمس ، ثم رفعه على سرير ، وحمله على أكتاف الملائكة ، وقال لهم : طوفوا به فى سمواتى ليرى عجائبها ، وما فيها ، فيزداد يقينا.
__________________
(١) رواه ابن أبى حاتم.