فقالت الملائكة : لبيك ربنا سمعنا وأطعنا ، فحملته الملائكة على أعناقها ، وطافت به السموات مقدار مائة سنة ، حتى وقف على كل من آياتها وعجائبها ، ثم خلق الله فرسا من المسك الأذفر ، يقال له «الميمون» ، له جناحان من الدر والجوهر ، فركبه آدم ـ عليهالسلام ـ وجبريل أخذ بلجامه ، وميكائيل عن يمينه ، وإسرافيل عن شماله ، فطافوا به السموات كلها ، وهو يقول : السلام عليكم يا ملائكة الله ، فيقولون : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقال الله تعالى لآدم : هذه تحيتك ، وتحية المؤمنين من ذريتك فيما بينهم إلى يوم القيامة.
* قضية الاستخلاف :
لما خلق الحق ـ تبارك وتعالى ـ آدم ، وصوّره ، ونفخ فيه الروح .. أخبر ملائكته قائلا : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠]. والخليفة : من يخلف غيره ، وينوب منابه ، فعيل بمعنى فاعل ، والتاء للمبالغة ، سمى (خليفة) لأنه مستخلف عن الله عزوجل فى إجراء الأحكام ، وتنفيذ الأوامر الربانية.
أعلمهم الحق بما يشاء ، من جعل آدم وذريته خلفاء فى الأرض ، يخلف بعضهم بعضا. كما قال سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ)
[الأنعام : ١٦٥]
وكما قال عز شأنه : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) [النمل : ٦٢]
فأخبر ـ جل وعلا ـ على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته ، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه ، فقالت الملائكة ـ سائلين على وجه الاستكشاف ، والاستعلام ، عن وجه الحكمة ـ لا على وجه الإعتراض والتنقّص لبنى آدم ، والحسد لهم ـ كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ..
قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠]