أعدها الله لهما ، وجعلها دار ابتلاء وليست جنة الخلد التى جعلها دار جزاء. ومن قال بهذا اختلفوا على قولين :
أحدهما : أنها فى السماء ، لأنه أهبطهما منها ، وهذا قول حسن.
والثانى : أنها فى الأرض ، لأنه امتحنهما فيها بالنهى عن الشجرة التى نهيا عنها ، دون غيرها من الثمار ، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم.
* وقد آثار أصحاب القول الثانى قضية تحتاج إلى توضيح وتفسير :
فقالوا : لا شك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية ، وأمره بالخروج عنها ، والهبوط منها ، وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية ، بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدرى ، لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) [الأعراف : ١٨] وقال : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) [الأعراف : ١٣] وقال (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [ص : ٧٧]
والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة ، وأيّا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا فى المكان الذى طرد منه ، وأبعد منه ، لا على سبيل الاستقرار ، ولا على سبيل المرور والاجتياز.
وقالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠]
وبقوله (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ، فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)
[الأعراف : ٢٠ ـ ٢٢]