وقالوا : إن ذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء ، فقد قال الله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود : ٤٨]
فالهبوط إنما كان فى السفينة حين استقرت على «الجودى» ونضب الماء عن وجه الأرض ، أمر أن يهبط إليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم.
ومثله قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١]
ومثله قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤]
وفى الأحاديث واللغة من هذا كثير.
وقالوا : ولا مانع ـ بل هو الواقع ـ أن الجنة التى أسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار ، وظلال ونعيم ، ونضرة وسرور ، كما قال الحق سبحانه :
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه : ١١٨] ـ أى لا يذل باطنك بالجوع ، ولا ظاهرك بالعرى.
(وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٩] أى لا يمس باطنك حر الظمأ ، ولا ظاهرك حرّ الشمس ، ولهذا قرن بين هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة.
ـ فلما كان منه ما كان ، من أكله من الشجرة التى نهى عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب ، والنّصب والكدر ، والسعى والنكد ، والابتلاء والاختيار والامتحان ، واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا ، وقصودا وإرادات ، وأقوالا وأفعالا ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦]