ـ سبحانه وتعالى ـ يخبر عن امتنانه على آدم وبنيه ، والتنويه بذكرهم فى الملأ الأعلى ، قبل إيجادهم ، وأنه تكلم مع ملائكته بأنه سيجعل فى الأرض خليفة.
فما المراد بالخلافة؟
قد يكون المراد بالخليفة أن يخلف الله فى عمارة هذه الأرض ، وذلك هو آدم ، ومن قام مقامه فى طاعة الله ، وتبليغه شريعة الله ، وتنفيذ مضمونها بينهم ، والحكم بين الناس بالعدل ، وتبين ما أمر الله به ، وما نهى عنه ، ليثاب المطيع ، ويعاقب العاصى.
فالخليفة ـ بهذا ـ هو الذى ينشر العدل بين الناس ، فى ربوع الأرض ، وأما الإفساد فيها ، وإراقة الدماء بغير حق ، فمن غير خلفائه.
وقد يكون المراد بالخليفة ، خلافة آدم لمن سبقه من المخلوقات التى خلقها الله على سطح الأرض ، ثم هلكت بعد أن خرجت عن طاعة الله ، وعصت أوامره.
ولفظ «خليفة» يوحى بهذا ، لأنه يدل على أنه خلف من سبقه من تلك المخلوقات.
أضف إلى ذلك ـ أن جزع الملائكة ، وقياسهم أمر الخليفة (المنتظر) بمن سبقه ممن سعى فى الأرض فسادا يدل على هذا ، فقد قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ،) كما أن قول الحق سبحانه : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [ابراهيم : ١٩]
وقوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) [الأنعام : ١٣٣] يعطى المفهوم ذاته ، ويوضح أن السابقين فسقوا عن أمر الله ، فأعلم الله بأنه سيأتى بخليفة جديد ، هو آدم ، وهو قادر على إفناء ذريته إن طغت ، والإتيان بخلفاء لهم.