وقضية الخلافة كما وضحها المفسرون ، تبين أن الله تعالى ـ لما أخبر الملائكة بإرادته جعل خليفة فى الأرض ، أيقنت الملائكة أنه سيحدث من هذا الخليفة وذريته ما حدث فى الماضى ـ من الإفساد ، وسفك الدماء ، وقد علمت الملائكة ، أنه لا شىء أكره عند الله تعالى ، من هذين الأمرين ، بالإضافة إلى العصيان ، وعدم الامتثال إلى أوامر الله ـ والبعد عن نواهيه.
فما دام الأمر كذلك ـ من هذا الخليفة وذريته الخلفاء ، إذا فهم بوصفهم جند الله وملائكته أولى منهم ، لأنهم يسبحون الله ، ويقدسونه ، ويعبدونه حق عبادته ـ كما قال الحق سبحانه : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)
[الأنبياء : ٢٠]
إن الله سبحانه وتعالى ـ غنى عن مشاورة خلقه ، وإنما أخبر ملائكته بهذا ، ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بتلك الإجابة ، ويعرفوا الحكمة من خلق آدم وذريته ، أو ليعلّمهم المشورة ، وأنهم يستشيرون الحكيم والكبير منهم فى أمورهم ، وهو سبحانه غنى عن مشاورة خلقه ، فمشاورته تؤوّل إلى معنى الإخبار.
ثم إن سؤال الملائكة ، ليس على وجه الاعتراض على الله تعالى ، ولا على وجه الحسد لبنى آدم. كما قد يظن ، وقد وصفهم رب العزة بأنهم : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)
[الأنبياء : ٢٧ ، ٢٨]
وقال عنهم ، أنهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)
[التحريم : ٦]