إذا ـ فهو ليس سؤال اعتراض. وإنما هو سؤال استفهام ، واستفسار واستكشاف ، عن الحكمة فى ذلك. يقولون : يا ربنا ما هى الحكمة التى من أجلها ستخلق آدم وذريته من البشر ، مع أن منهم من سيفسد فى الأرض ، وسيسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك يا رب العزة ، فنحن نعبدك ، ونسبح بحمدك ، ونقدس لك ، إننا نبعدك عن السوء ، ونقوم بفروض طاعتك وعبادتك ، ونسبح بحمدك ، ونطهرك من الدنس والشرك ، كما ينبغى لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك ، ولا يصدر منا شىء مما يفعله غيرنا من المعاصى ، فلا اقتصرت يا ربنا علينا؟
فكان جواب الحق سبحانه على استفسارهم .. (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ،) إنى أعلم من المصلحة الراجحة فى خلق هذا النوع من عبادى ، على المفاسد التى ذكرتموها مالا تعلمون.
فأعلم كثيرا مما غاب عنكم حتى المكتوب فى اللوح المحفوظ ، فوراء ذلك كثير من علوم الغيب لا يمكن للمخلوقين ـ حتى الملائكة ـ أن يحيطوا بها ، وقد استأثرت بعلمها ، ولا يطلع عليها إلّا من اصطفى من عبادى.
لقد أقام رب العزة لهم الحجة فى صورة دليل واحد ، به يدركون معه الحكمة فى خلق آدم ، وجعله خليفة فى الأرض ، ويعقبه الخلائف من بعده ، وأنه أحق بها من غيره ، فقد اختار الله ـ سبحانه ـ من ذريته الأنبياء والرسل ، وأوجد فيهم الصديقين والشهداء ، والصالحين ، والعبّاد ، الزهاد ، والأبرار والأخيار.
جاء فى الصحيح ـ أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده ، يسألهم ـ وهو أعلم ـ كيف تركتم عبادى؟ فيقولون : يا ربنا أتيناهم وهم يصلّون ، وتركناهم وهم يصلّون ، وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ، ويجتمعون فى صلاة الصبح ، وفى صلاة العصر ، فيمكث هؤلاء ، ويصعد هؤلاء بالأعمال.