كما تضع الفاصل بينه وبين المذاهب المادية ، التى ترى فى الحياة الدنيوية الاستقرار الكامل ، والمتاع المطلق ، فليس عندهم حياة أخرى وراءها ، فهى عندهم المستقر والمتاع.
ومثل هذه الآية ـ فى وضع الحياة الدنيوية فى الإطار العام للوجود وتقوّيها ، قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك : ١٥]
ففيها تذليل الأرض لبنى آدم ليستثمروها ، وفى طلب السعى للعمل ، وإباحة استثمار منافعها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)
وفيها أخيرا بيان مسئولية بنى آدم عن سعيهم هذا ، واستثمارهم فى هذه الحياة ، ومحاسبتهم فى حياة أخرى (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)
* ثم إن الانتفاع بما خلق الله فى الأرض والكون ، والسعى فى طلب الرزق ، ليس غاية فى ذاته ، بل هو وسيلة ضرورية تقتضيها طبيعة الإنسان ، أو فطرته التى فطره الله عليها.
فالإنسان جسم مخلوق من تراب ، لا بد من تغذيته ، وهو من هذه الناحية حيوان ذو غرائز ، محتاج إلى الطعام والشراب ، بل إلى ما لا يحتاج إليه الحيوان من لباس ومسكن ، وقادر على الاستفادة من أنواع المنافع ، والتمتع بضروب المتع ، أعلى وأوسع ، وأكثر تنويعا مما عليه الحيوان.
فتحصيل ذلك كله بالنسبة إلى خلق الله ، هو من قبيل الضروريات التى لا بد منها ، أو الاحتياجات المطلوبة ، أو الكماليات المرغوبة ، والمهم أن يرى الإنسان فى هذا النشاط سعيا وكسبا ، أو انتفاعا واستثمارا وسيلة لا غاية ، فالغاية وراء ذلك هو إرضاء الله بعمل الخير ، وبشكره على نعمه ، ومراعاة حقوقه وحقوق عباده ، والسعى فى نفعهم ومعونتهم ، حتى تتحقق حكمة الاستخلاف.