قال نوح : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى ـ وأىّ شىء يلزمنى من اتباع هؤلاء لى ، ولو كانوا على أى شىء كانوا عليه لا يلزمنى التنقيب عنهم ، والبحث والفحص ، إنما علىّ أن أقبل منهم تصديقهم إياى ، وأكل سرائرهم إلى الله عزوجل : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ)
كأنهم سألوه أن يبعدهم عنه ، ويتابعون ، فأبى عليهم ذلك ، وقال : (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أى إنما بعثت نذيرا ، فمن أطاعنى واتبعنى وصدقنى كان منى ، وأنا منه ، سواء كان شريفا أو وضيعا ، جليلا أو حقيرا
قالوا أيضا : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ـ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) [هود : ٢٧]
فبادر الملأ من قومه والأشراف ، الذين كفروا بالله ورسوله نوح إلى حجج هى أوهى من نسيج العنكبوت ، قائلين : ما نراك إلّا بشرا مثلنا ، لا مزيّة لك ولا فضل حتى تدعى الرسالة ، والسفارة بيننا وبين الله ، هل لك مال وفير؟ أو جاه عريض؟ أو ولد وخدم؟ ـ ليس لك شىء من هذا فكيف تكون المطاع فينا ، والآمر لنا؟ .. وما نراك اتبعك إلّا الذين هم أراذلنا وسفلتنا أصحاب الحرف والصنّاع من الفقراء والضعفاء ، أتكون مع هؤلاء فى صف واحد؟ .. على أن إقبال هؤلاء عليك ، واتباعهم لك فى بادىء الأمر وظاهره بدون تأمل ولا فكر ، ولا نظر فى عواقب الأمور وبواطنها يدعونا إلى مخالفتك وعدم اتباعك. أنفوا أن يكونوا مثل هؤلاء الفقراء ، وطلبوا من نوح أن يطردهم ، حتى لا يجتمعوا معهم فى دين ، فأبى وخاف من الله. وقالوا :
ما نرى لكم ـ أنت ومن معك من عامة الناس علينا من فضل فى علم ، أو رأى ، أو جاه أو قوة ، يحملنا على اتباعك ، والنزول عن جاهنا وشرفنا ، ونكون