التراب بكفّه ، فقال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .. قال : هذا كعب «حام بن نوح» ، قال : فضرب الكثيب بعصاه ، قال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه ـ قد شاب ، قال له عيسى عليهالسلام : أهكذا هلكت؟ قال : لا ، بل مت وأنا شاب ، ولكنى ظننت أنها الساعة (أى القيامة) فمن ثمّ شبت ..
قال : حدثنا عن سفينة نوح ..؟
قال : كان طولها ألف ذراع ومائتى ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحوش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلما كثر روث الدواب ، أوحى الله عزوجل إلى نوح عليهالسلام ـ أن أغمز ذنب الفيل ، فغمزه ، فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث ، فلما وقع (الفأر) بجوف السفينة يقرضها وحبالها ، أوحى الله إليه أن اضرب بين عينى الأسد ، فضرب ، فخرج من منخره سنّور وسنورة فأقبلا على الفأر.
فقال له عيسى عليهالسلام : كيف علم نوح إن البلاد قد غرقت؟
قال : بعث (الغراب) يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه (نوح) بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت ، قال : ثم بعث (الحمامة) ، فجاءت بورق زيتون بمنقارها ، وطين برجليها ، فعلم أن البلاد قد غرقت ، قال : فطوقها الخصرة التى فى عنقها ، ودعا لها أن تكون فى أنس وأمان ، فمن ثمّ تألف البيوت.
قال : فقلنا يا رسول الله : ألا ننطلق به إلى أهلينا ، فيجلس معنا ويحدثنا؟
قال : كيف يتبعكم من لا رزق له؟
قال : فقال له (عيسى ابن مريم) عد بإذن الله ، فعاد ترابا. (١)
__________________
(١) ابن كثير ٢ / ٤٤٤.