(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ، قالَ : إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) [هود : ٣٨ ، ٣٩]
ويصنع نوح السفينة ، وكلما مر عليه جماعة من قومه سخروا منه ، واستهزأوا به ظانين أنه مجنون ينفق وقته وجهده فى عمل لا فائدة فيه ، قال نوح مجيبا لهم : إن تسخروا منا اليوم لصنعنا شيئا هو فى ظنكم خرق وحماقة ، فإنا نسخر منكم كما تسخرون جزاءا وفاقا ، وعيد شديد وتهديد أكيد ، فلسوف تعلمون قريبا من يأتيه عذاب يخزيه فى الدنيا بالغرق ، ويحل عليه عذاب دائم فى الآخرة.
كان نوح يصنع السفينة جادا فى عمله ، متألما من سخريتهم حتى أذن الله ..
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) [هود : ٤٠] ـ أى حتى إذا جاء أمرنا ، واشتد غضبنا ، وحانت الساعة ، ويالها من ساعة ، حين فار التنور ، وجاءت السماء بالمطر مدرارا ، وتفتحت العيون بماء غزير (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً. فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [القمر : ١١ ـ ١٤]
وأما قوله : (وَفارَ التَّنُّورُ) فقد قال ابن عباس : التّنّور وجه الأرض ، أى صارت الأرض عيونا تفور حتى فار الماء من التنانير ، التى هى مكان النار ، صارت تفور ماء.
فحينئذ أمر الله نوحا ـ عليهالسلام ـ أن يحمل معه فى السفينة من كلّ زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح ـ قيل : وغيرها من النباتات اثنين ذكرا وأنثى.