فلنتأمل معا مجادلة نوح عليهالسلام لقومه ، وهم يجادلون فى الله ، ونوح يريد أن يهديهم بأمر الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ..) [الآيات ٢٥ ـ ٣٣ من سورة هود]
هذا مشهد من مشاهد القول ، تجد فيه مناقشة قوية بين دعوة الحق ، وجحود أهل الباطل ، وتراه كأنه مصوّر أمام البصيرة ، وترى فيه صاحب الحق يدلى بالبينات ، والحق وحده أبلج ، وترى فيه أهل الباطل يتخذون من الحسّ دليلا على الحق ، وحسهم كاذب ، فيستدلون على أن الدعوة ليست دعوة حق بأن أتباعها هم الفقراء الأرذلون فى أعينهم ، الذين يزدرونهم. ونوح عليهالسلام يجادلهم بالتى هى أحسن ، وهو يسوق البينات ، ولكنهم يتبرّمون بدعوة الحق.
ولا شك أن العبارات القرآنية ـ لا تدل على المعانى المقصودة فقط. بل وضعت بالألفاظ ومعانيها وأطيافها فى بيان مصّور يسكن به الخيال والنفس ، كأنه واقع محسوس ، لا قصص متلو فقط.
وبعد ذلك بيّن الله لنوح عليهالسلام ، أنهم لا يؤمنون ، ولم يبق إلّا إنزال العقاب بهم.
ولنتأمل صورة العقاب .. نراه قصصا مجردا ، ولكنه مشهد واضح بيّن يصل إلى درجة المرئى للقارىء المتنبه. اقرأ قوله تعالى :
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ، فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ. وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ، وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ..) [الآيات ٣٦ ـ ٤٨ من سورة هود]
ذلك هو بعض قصص نوح عليهالسلام من وقت أن يئس من إيمانهم ، وأخبره ربه العليم الحكيم ـ أنه بلّغ الحجة ، وحقق الرسالة ، وأنه لن يؤمن أحد من قومه لم يكن قد آمن ، وأن العقاب نازل لا محالة.