* ونرى كل نصّ من نصوص هذا الجزء من القصة مصورا بيانيا ، لما أنزله الله تعالى :
فنرى جزءا يصور كيف أخذ نوح يبنى سفينته ، والقوم ينظرون إليه ساخرين غير عالمين بالعاقبة التى تنتظرهم ، والغاية التى قدّرها الله تعالى من هذا البناء ..
والخيال يرى الصورة وراء العبارات ، كأنها بين يديه حقيقة بالعيان ، وليس خبرا من الأخبار ، وإن كان يذكر فى أعلى صور القصص المصور.
ثم نرى الإيذان بالابتعاد عن موطن الغرق ، وقد فار التّنّور ، وإننا قد ندرك من هذا أنها كانت تسير بالبخار ، إذ فار التنور فتحركت بعد أن فار ، والله تعالى أعلم بمراده ، وإن كان اللفظ دالا ، بل هو مصوّر لتنور فار فحرك ببخاره ما حرك من آلات تسير السفينة ، وتجرى بهم فى موج كالجبال.
والقارىء يرى فى هذا صورا تثير الخيال ، وتجعل الخبر مرئيا أو كالمرئى ، وإن ذكر الموج فى هذا المقام يصور كيف كان السيل عارما ، وأنه لم يكن غيثا حتى لم يبق إلّا من خرج بالسفينة نجيّا.
* ثم نجد فى ذلك القصص أمرا معنويا كأنه ملموس ، وهو حنان الأب ، ورفقه بولده. فقد رأينا فى نوح المجاهد عاطفة الأبوة تعلو .. فينادى ابنه ، وكأننا نسمع النداء فى مشهد من مشاهد الأبوة. ثم نجد الإبن وقد غرّه غرور الصبا ، والابتعاد عن التصديق ، حتى حسب أنه بمنجاة من الغرق إذا اعتصم بجبل آوى إليه ، وحال بينه وبين أبيه الموج ، فكان من المغرقين ، والأب تنفطر نفسه ، فتغلبه شفقة الأبوة عن رؤية أمارات الموت ...