فى حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : قهرنا من فى الأرض ، وعلونا من فى السماء قسوا وعلوا ، فيبعث الله عليهم نغفا (أى دودا كالذى يكون فى أنوف الإبل) فى أعناقهم ، فيهلكون. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فو الذى نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم» (١).
ومهما يكن من سند مثل هذا الحديث ، فإن كثيرا من العلماء يعتبرونه من الإسرائيليات (٢). المروية عن كعب الأحبار وغيره ، ويرون أن رفعها إلى النبى صلىاللهعليهوسلم غلط وخطأ من بعض الرواة ، أو كيد يكيد به الزنادقة اليهود للإسلام ، وإظهار رسوله بمظهر من يروى ما يخالف القرآن.
فالقرآن قد نصّ بما لا يحتمل الشك ، على أنهم لم يستطيعوا أن يعلو السد ، ولا أن ينقبوه ، قال تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) [الكهف : ٩٧]
* وخير من تناول هذا الحديث بالتحليل والتوضيح الإمام الحافظ ابن كثير ، قال بعد أن ذكر من رواه :
حديث «غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه ، وإسناده جيد قوى ، ولكن «متنه» فى رفعه إلى النبى نكاره ، لأن ظاهر الآية : يقتضى أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ، ولا من نقبه ، لإحكام بنائه وصلابته وشدته ، ولكن هذا قد روى عن كعب الأحبار ، «أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه ، حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون غدا نفتحه ، فيأتونه من الغد وقد عاد كما كان ، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون كذلك ، فيصبحون وهو كما كان فيلحسونه ، ويقولون غدا
__________________
(١) السيوطى : الدر المنثور ٤ / ٢٥١
(٢) الشيخ محمد أبو شهبة : الإسرائيليات والموضوعات ص ٣٤٦