فعندها (قال) الخضر لموسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أى إنك لا تقدر على مصاحبتى لما ترى منى من الأفعال التى تخالف شريعتك ، لأنى على علم من علم الله ، ما علّمكه الله ، وأنت على علم من علم الله ما علّمنيه الله ، فكلّ منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه ، وأنت لا تقدر على صحبتى (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) فأنا أعرف أنك ستنكر علىّ ما أنت معذور فيه ، ولكن ما اطلعت على حكمته ، ومصلحته الباطنة ، التى اطلعت أنا عليها دونك.
(قال) موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) على ما أرى من أمورك (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) أى .. ولا أخالفك فى شىء.
فعند ذلك شارطه الخضر ـ عليهالسلام ـ (قالَ : فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ابتداء (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أى حتى أبدأك أنا به قبل أن تسئلنى.
فسار به فى البحر إلى مجمع البحرين ، وليس فى الأرض مكان أكثر ماء منه.
١ ـ * فمرت سفينة ، فكلّموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهما بغير نول ـ أى بغير أجرة ، تكرمة للخضر ، فلما استقلت بهم السفينة فى البحر ولججت ـ أى دخلت فى لجّة الماء ، قام الخضر فخرقها واستخرج لوحا من ألواحها ، فلم يملك موسى عليهالسلام نفسه أن قال منكرا عليه : «قد حملونا بغير نول ، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أى عجبا أو منكرا ، فعندها قال له الخضر مذكّرا بما تقدم من الشرط (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ـ يعنى ... وهذا الصنيع فعلته قصدا ، وهو من الأمور التى اشترطت معك أن لا تنكر علىّ منها ، لأنك لم تحط بها خبرا ، ولها دخل هو مصلحة ولم تعلمه أنت.