وذهب الحسن ومجاهد ، إلى أن المائدة لم تنزل ، وذلك لأن الله ـ سبحانه ـ لمّا توعدهم على كفرهم ـ بعد نزولها ـ بالعذاب البالغ غاية الحد ، خافوا أن يكفر بعضهم ، فاستعفوا وقالوا : لا نريدها ، فلم تنزل (١).
وهذا القول مخالف لظاهر النص القرآنى : (قالَ اللهُ : إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) ولا أدرى ما الحامل لهما على هذا.
إن الأمر الواضح من هذه الأقوال ، وغيرها ، أن الرواة لم يتفقوا على شىء. وهذا يدل دلالة واضحة على أنها من الإسرائيليات المبتدعة ، ولا يمكن أن يكون مرجعها إلى النبى المصطفى المعصوم ـ صلىاللهعليهوسلم.
وفى رواية ذكرها ابن أبى حاتم فى تفسيره ، بسنده ، عن وهب بن منبه ، عن أبى عثمان النهدى ، عن سلمان الفارسى ـ خلاصتها :
أن الحواريين لما سألوا عيسى ابن مريم ـ عليهالسلام ـ المائدة ، كره ذلك ، خشية أن تنزل عليهم فلا يؤمنوا بها ، فيكون فيها هلاكهم ، فلما أبوا إلّا أن يدعو لهم الله كى تنزل ، دعا الله ، فاستجاب له ، فأنزل الله سفرة حمراء ، بين غمامتين ، غمامة فوقها ، وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها فى الهواء ، منقضّة من السماء ، تهوى إليهم ، وعيسى ـ عليهالسلام ـ يبكى خوفا من الشرط الذى اتخذ عليهم فيها ، فمازال يدعو حتى استقرت السفرة بين يديه ، والحواريون حوله يجدون رائحة طيبة ، لم يجدوا رائحة مثلها قط ، وخرّ عيسى ـ عليهالسلام ـ والحواريون سجدا ، شكرا لله ، وأقبل اليهود ينظرون إليهم ، فرأوا ما يغمهم ،
__________________
(١) انظر تفسير ابن جرير عند هذه الآيات ، وتفسير السيوطى الدر المنثور ، وتفسير الزمخشرى ، والفخر الرازى ، وأبى السعود عند تفسير الآيات ، وانظر تفسير ابن كثير ٢ / ١١٦ ، والبغوى ٣ / ٢٧٤ ـ والألوسى ٧ / ٦٢ ـ ٦٥ ، والقرطبى ج ٦ ص ٣٦٩ ـ ٣٧٢