(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ، وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ، إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ ، أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ ، فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ .. انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ، إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ، وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [النساء : ١٧١]
يقول جل جلاله : يا أهل الكتاب لا تكونوا مغالين فى الدين ، ومتجاوزين الحدود ، فلا تعظموا المسيح عيسى ابن مريم وتقدسوه حتى تجعلوه إلها ، أو ابن إله ـ كما فعلت النصارى ، ولا تكفروا بعيسى وتبهتوا أمه ، أو تحقروه وتهينوه ـ كما فعلت اليهود ..
يا أهل الكتاب ـ ولا تقولوا على الله إلا القول الحق الثابت بالنقل المتواتر ، الذى يستحيل معه الكذب ، أو المؤيد بالحجج الدامغة ، أما القول بالحلول ، واتخاذ الصاحبة والولد ، فكذب وبهتان وخرافة وشرك.
إنما المسيح ـ عيسى ابن مريم ـ رسول الله ، وكلمته التى ألقاها إلى مريم ، وهو مكون بكلمة (كن) التكوينية (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .. نعم كل مولود له سبب ظاهر ، وهو اتصال الجنسين ، وله سبب حقيقى ، وهو إرادة الله ، المعبر عنها بكلمة (كن) ، فلما انتفى مع عيسى السبب الأول بالبرهان ، ثبت أن عيسى خلق بالسبب الثانى ، وهو كلمة (كن) أوصلها الله إلى مريم بواسطة جبريل وقوله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ ..) أى هو مؤيد بروح كائنة منه ـ سبحانه وتعالى ـ لا بعضا منه ، كما فهمتم ـ وإلا لكان كل شىء بعضا من الله ، بدليل قوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) [الجاثية : ١٣] وكونه مؤيدا بروح منه يؤيده قول الحق سبحانه (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)