إن المسيح عيسى ابن مريم. رسول الله وكلمته ، ألقاها إلى مريم ، ورحمة منه ، يقويه قوله تعالى : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)
[مريم : ٢١]
ومن الغريب ، أن بعض النصارى يفهمون قول الحق سبحانه (وَرُوحٌ مِنْهُ) أن عيسى ابن الله ، أو جزء الإله أو ثالث ثلاثة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، والذى أوقعهم فى هذا التشابه فى التوراة والإنجيل ، وما وصل إليهم عن طريق الوثنيين من اليونان والرومان ، والمصريين القدماء ، والبراهمة.
إن الدين المسيحى الصحيح ، مبنى على أساس التوحيد البرىء لله سبحانه ، ذاتا وصفة وفعلا ، ولكن الكنيسة أدخلت هذه العقائد الزائفة فى عقول أبنائها ، لأمر فى نفوس القوم ، ولما رأوا القرآن يعارضهم فى ذلك ، كذبوه وأنكروه ، وهو الذى برأ مريم من قول اليهود ، ووضع عيسى الموضع اللآئق وفى أقوال الأحرار من المسيحيين ما يؤيد هذا (١).
ويخاطب القرآن أهل الكتاب ـ بعد أن فند مزاعمهم ـ قائلا : وإذا كان الأمر كذلك ، فآمنوا بالله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذى لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وآمنوا برسله جميعا ، لا فرق بينى نبى ونبى ، ولا تقولوا الآلهة ثلاثة : الأب ، والابن ، وروح القدس ، أو الله أقانيم ثلاثة ، كل منها عين الآخر ، وكل منها إله كامل ، ومجموعها إله واحد. فإن هذا إشراك بالله ، وترك التوحيد ، الذى هو ملة أبيكم إبراهيم. وهذا كلام ينافى العقل الراجح ، والفكر السليم ، إذ كيف يكون واحدا وثلاثة ، وكيف يحل الإله فى بعض خلقه؟
__________________
(١) انظر ما كتبه الشيخ رشيد رضا ـ تفسير الشيخ محمد عبده ـ الجزء السادس ـ فى تفسير الآيات. وانظر كتاب إظهار الحق.