لا يمكن حمل (١) الإذن فى هذه الآية إلا على معنى المشيئة ؛ لأنه للكافة بالإيمان ، والذي هو مأمور بالشيء لا يقال إنه غير مأذون فيه. ولا يجوز حمل هذه الآية على معنى أنه لا يؤمن أحد إلا إذا ألجأه الحقّ إلى الإيمان واضطره ـ لأنّ موجب ذلك ألا يكون أحد فى العالم مؤمنا بالاختبار ، وذلك خطأ ، فدلّ على أنه أراد به إلا أن يشاء الله أن يؤمن هو طوعا. ولا يجوز بمقتضى هذا أنه يريد من أحد أن يؤمن طوعا ثم لا يؤمن ؛ لأنه يبطل فائدة الآية ، فصحّ قول أهل السّنّة بأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (٢).
قوله جل ذكره : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١))
الأدلة ـ وإن كانت ظاهرة ـ فما تغنى إذا كانت البصائر مسدودة ، كما أن الشموس ـ وإن كانت طالعة ـ فما تغنى إذا كانت الأبصار عن الإدراك بالعمى مردودة ، كما قيل :
وما انتفاع أخى الدنيا بمقلته |
|
إذا استوت عنده الأنوار والظّلم؟ |
قوله جل ذكره : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢))
تمنّي ألطاف أنوار الحقيقة تعنّ فى تسويل ، واستناد إلى غير تحصيل ، وتماد فى تضليل.
قوله جل ذكره : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣))
حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض فقوله تعالى : (عَلَيْنا) هاهنا معناها «منا» ،
__________________
(١) وردت (حول) وهى خطا فى النسخ.
(٢) هذا نموذج طيب لموقف القشيري متكلما سنيا ـ بالنسبة لقضية اختيار الإنسان.