فيقال : إن الفعل بتعمّد يحصل فيكون معرّضا لتقصير فاعله ، أمّا الرؤيا فلا تكون بتعمد منه فتنسب إلى نقصان.
ويقال إنّ حقّ السّرّ الكتمان ولو كان على من هو قريب منك ؛ فإن يوسف لما أظهر سرّ رؤياه على أبيه اتصل به البلاء.
قوله جل ذكره : (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥))
إذا جاء القضاء لا ينفع الوعظ والحذر ؛ فإن النصيحة والحذر لا يزيدان على ما نصح يعقوب ليوسف عليهماالسلام ، ولكن لمّا سبق التقدير فى أمر يوسف ـ عليهالسلام ـ حصل ما حصل. ويقال إن يوسف خالف وصية أبيه فى إظهار رؤياه إذ لو لم يظهرها لما كادوا له ، فلا جرم بسبب مخالفته لأبيه ـ وإن كان صبيا صغيرا ـ لم يعر من البلايا.
ويقال لما رأى يوسف فى منامه ما كان تأويله سجود الإخوة له رأى ما تعبيره : وسجود أبيه وخالته حيث قال تعالى : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) ؛ فدخل الإخوة الحسد (١) أما الأب فلم يدخله إلا بنفسه لفرط شفقة الأبوة.
ويقال صدق تعبيره فى الإخوة فسجدوا له حيث قال : (و ، خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) ولم يسجد الأب ولا خالته حيث قال : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) فإن يوسف صانهما عن ذلك مراعاة لحشمة الأبوة.
قوله جل ذكره : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)
أي كما أكرمك بهذه الرؤيا التي أراكها يجتبيك ويحسن إليك بتحقيق هذه الرؤيا ، وكما أكرمك بوعد النعمة أكرمك بتحقيقها.
ويقال الاجتباء ما ليس للمخلوق فيه أثر ، فما يحصل للعبد من الخيرات ـ لا بتكلفه ولا بتعمده ـ فهو قضية الاجتباء.
__________________
(١) وردت (الحد) والصواب أن تكون الحسد (انظر توضيح ذلك بعد قليل صفحة ١٧٠) ودخول الأب كان بنفسه ولم يكن بقلبه ، وكان سببه شدة الإشفاق على ولده.