شفقة منه عليهم ، وهذه صفة الأولياء : أن يكونوا خصم أنفسهم ، ولهذا قيل : الصوفي دمه هدر وملكه مباح (١) ـ ولذلك قال :
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
لمّا تمدّح بقوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) كأنه نودى فى سرّه : ولا حين هممت؟ فقال : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي!) (٢)
ويقال : قوله (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) بيان الشكر على ما عصمه الله ، وقوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) بيان العذر لما قصّر فى أمر الله ، فاستوجب شكره زيادة الإحسان ، واستحقّ بعذره العفو.
والعفو باد من قوله :
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤))
لما اتضحت للملك طهارة فعله ونزاهة حاله استحضره لاستصفائه لنفسه ، فلمّا كلمه وسمع بيانه رفع محلّه ومكانه ، وضمنه برّه وإحسانه ، فقال : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ)
قوله جل ذكره : (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥))
إنما سأل ذلك ليضع الحقّ موضعه ، وليصل نصيب الفقراء إليهم ، فطلب حقّ الله تعالى فى ذلك ، ولم يطلب نصيبا لنفسه.
ويقال لم يقل إنى حسن جميل بل قال : إنى حفيظ عليم أي كاتب حاسب ، ليعلم أنّ الفضل فى المعاني لا فى الصورة.
__________________
(١) هذا تعريف الصوفي عند سهل بن عبد الله التستري (الرسالة ص ١٣٩).
(٢) هذا نموذج لمقاومة دعوى النفس ومحاربة اغترارها على الدوام ، وعدم الاطمئنان إلى مصالحتها.